#2
عادل عمر
مسلم معتدل
عن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" (رواه أحمد والترمذي).
هذا الحديث الشريف أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن أحد الأطباء لما قرأ هذا الحديث ، قال : "لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام" وذلك لأن أصل كل داء التخم فمنافع قلة الغذاء كثيرة لا تحصى لصلاح الأبدان وصحتها. أما منافع قلة الغذاء بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإنها تؤدي إلى رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب، وأما كثرة الغذاء فتؤدي إلى عكس ذلك وللصالحين من التابعين وغيرهم أقوال مفيدة نافعة في فوائد التقلل من الطعام ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ما شبعت منذ أسلمت". وقال محمد بن واسع: "من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورقّ" ، وقال عمرو بن قيس: "إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب. وقال مالك بن دينار: "ما ينبغي للمؤمن أن تكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة" . وقال سفيان الثوري: "إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل"، وقال بشر بن الحارث: "ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام". وعن إبراهيم بن أدهم قال: "من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وأن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان، والشبع يميت القلب ، ومنه يكون الفرح والمرح والضحك.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت"(رواه البخاري)
أدرك الناس: أي بلغ الناس من كلام النبوة الأولى: أي أن هذه الحكمة مأثورة عن الأنبياء جميعاً وأن الأمم تناقلتها أمة بعد أمة. من المعلوم أن الحياء خصلة من خصال الإيمان تحث المرء على التخلق بالأخلاق الحميدة والكف عن فعل أو قول كل قبيح؛ فالحياء- كما قال صلى الله عليه وسلم – خير كله، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها. والمرء الذي يتحلى بالحياء ويتصف به يكون أقرب إلى الطاعات وإلى كل فعل يرضي الله عز وجل "فالله أحق أن يستحيا منه" كما قال صلى الله عليه وسلم .؟ ويبعث على الحياء الشعور باطلاع الله عز وجل على الإنسان، ولذلك فإن الإنسان إذا داوم على مراقبة الله عز وجل امتلأ قلبه حياءً منه فلا يتجرأ على المعصية وإذا فعلها دفعة حياؤه من الله إلى المسارعة إلى التوبة وطلب مرضاة الله عز وجل. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أعدم الحياء "فاصنع ما شئت" من باب الترهيب والردع والمراد: إذا نزعت عنك الحياء ولم تستح من الله عز وجل فافعل ما شئت من المنكرات فإنك معاقب عليها يوم القيامة. والحديث فيه الترهيب من الوقوع في المعاصي وفيه بيان فضل الحياء وأنه يمنع المسلم من اقتراف الذنوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدُ إلا غلبه ، فسددوا، وقاربوا ، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء من الدُّلجة" (رواه البخاري)
سددوا: أي الزموا التوسط في الأمر قاربوا: أي استمسكوا بما يقربكم من الله الغدوة: هو الوقت الذي بين الفجر وطلوع الشمس الروحة: السير بعد الزوال والمراد العبادة في هذه الفترة والدلجة: هو السير آخر الليل والمراد به قيام الليل يبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن أمور الدين كلها يسهل على الناس أداؤها، ففيه من الأحكام الكثيرة ما يتناسب مع كل مسلم حسب حالته، فمثلاً صحيح البدن عليه أن يؤدي الصلوات الخمس بهيئاتها المعلومة، أما المريض فرخص له الشرع في الصلاة قاعداً أو على جنبه أو على ظهره أو بعينيه حسب مقدرته، وكذلك التيمم شرع لمن لم يجد الماء، والصيام في شهر رمضان فرض على الصحيح سليم البدن، ورخص بالإفطار للمسافر والمريض على أن يقضيا صيامهما بعد ذلك، إلى آخر هذه الأحكام التي جعلها الله لنا رحمة ويسراً. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "سمي الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم". ويرشد الحديث إلى التوسط وعدم التشدد أو التفريط فإن الدين متين وقوي وواضح وضوح النهار. ويبين لنا الحديث أيضاً الأوقات التي تستحب فيها العبادة والتقرب إلى الله بالذكر والدعاء وخاصة قيام الله في وقت السحر وهو آخر الليل قبل الفجر
عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السُّخط"(رواه الترمذي وابن ماجه)
البلاء: هو الامتحان من محنة أو نعمة ليعرف به مدى صبر الإنسان يوضح هذا الحديث الشريف منزلة البلاء وأنه كلما كبرت المحنة وصبر صاحبها، زاد ثوابه، فمن رضي: أي صبر على الابتلاء لله عز وجل وفوض أمره إليه وطلب منه العون فله الرضا أي الثواب والأجر على هذا الصبر، ومن رضي الله عنه فقد فاز فوزاً مبيناً. ومن لم يرض ولم يصبر فعليه إثم سخطه وعدم رضاه، أو فليسخط فما يأخذ من سخطه. والحديث فيه عظة لمن ابتلى فجزع، حتى يعلم المبتلى أنه ممن يحبهم المولى عز وجل، فالله إذا أحب قوماً ابتلاهم ألا ترى أن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء الذين هم أقرب الخلق إلى الله عز وجل. والاعتراض على قدر الله عز وجل جهل وظلم للنفس وخسران لرضا رب العالمين، كما أنه ليس من صفات المؤمنين الذين يصبرون عند المحن ويشكرون عند النعم، كما قال صلى الله عليه وسلم "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ".رواه مسلم والبلاء ملازم للمسلم في كل حياته لقول الله عز وجل: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) [البقرة: 155 ] فالبلاء يرفع الدرجات ويحط السيئات حتى يمشي الإنسان على الأرض وما عليه خطيئة كما قال صلى الله عليه وسلم.رواه ابن ماجه والترمذي
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذِيَك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة" (متفق عليه)
الكير: آلة يستخدمها الحداد للنفخ في النار حتى تظل مشتعلة. يحذيك: يعطيك يعلمنا هذا الحديث الشريف أن مجالسة الصالحين والأخيار فيها خير لمن يجالسهم، وأن مجالسة الطالحين وأهل الفسق والفجور وقرناء السوء لا تنتج إلا الشرور والفساد أو على الأقل ففيها تضييع الوقت، وذهاب الجهد ويضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المثل لكي يقرب لنا هذا المعنى فنفهمه ونعمل بمقتضاه فكما أن بائع المسك لا تجد عنده إلا ريحاً طيبة كذلك الرجل الصالح لا تسمع منه إلا كلاماً طيباً وذكراً وتذكيراً بالله- عز وجل- وربما كان عالماً فتزداد منه علماً ،وإن كان من أهل الزهد عرفت منه أن الدنيا زائلة وأنه لا فلاح لطالب الدنيا، وأن العيش هو عيش الآخرة، وإن كان عابداً سمعت منه ذكراً طيباً أو تلاوة للقرآن يطمئن بها قلبك. وأما الحدّاد فمن جالسه أصيب بنار كيره أو شرره أو دخانه كذلك رجل السوء قد يكون طويل اللسان فتجده طعاناً ولعاناً كثير الاغتياب للآخرين، أو يكون من أصحاب الشهوات، فتجده يكثر الكلام في الشهوات ويتلذذ بذلك، وقد يكون رجلاً منحرفاً نحو الجريمة فتجد قصصه مملوءة بالانحراف والمنحرفين، وقد يكون رجلاً ظالماً فتجده يدافع عن ظلمه كما لو كان عدلاً يعدل به بين الناس. وهكذا فإن رجل السوء لا يعرف من الدنيا غير الوجه الأسود فمن جالسه نال شيئاً من آثامه كالغيبة والطعن في الأنساب والأعراض.
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه" (رواه أحمد والطبراني)
محقرات الذنوب: هي صغائر الذنوب التي قد لا يؤبه بها ولا يلتفت إليها ،بطن واد: أي وسطه. يلفت رسول صلى الله عليه وسلم نظرنا في هذا الحديث الشريف- إلى خطورة صغائر الذنوب لمن لا يلتفت إليها ويمحوها بالتوبة والاستغفار والصدقات وغيرها من مكفرات الذنوب، وضرب لها مثلاً من الواقع المشاهد ليجسدها ويظهر مدى خطورتها فمن المعلوم أن العود الواحد لا يكفي لإنضاج الطعام أو الخبز، فالإنضاج يحتاج إلى كثير من الحطب، وهكذا الصغائر تتجمع على صاحبها فتهلكه؛ لذلك فإن من استهان بالصغائر وانغمس فيها ظنّاً منه أنها ليست خطيرة الشأن، فقد أهلك نفسه، لأن هذه الصغائر تتجمع عليه فتعدل الكبائر في مقدار السيئات.وفي ذلك يقول الشاعر: لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لّله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (متفق عليه).
ثلاث من كن فيه: أي ثلاث خصال من اجتمعت فيه حلاوة الإيمان: هي انشراح في الصدر ولذة في القلب. يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن للإيمان حلاوة يشعر بها المؤمن بانشراح صدره إذا فعل هذه الخصال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فلكي يشعر بحلاوة الإيمان يحب أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فإن حب الله ورسوله يجب أن يكون فوق حب الأهل والولد والزوجة والمال فهذا إبراهيم الخليل لما رأى رؤيا في المنام أنه يذبح ابنه – ورؤيا الأنبياء الحق- عزم على تنفيذ أمر الله وهم بذبح ابنه وحبيبه ووحيده إسماعيل عليه السلام إيثاراً لحب الله عز وجل عن أي حب آخر. ومن هذه الخصال أيضاً أن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي تكون العلاقة بين الرجل وأخيه قائمة على الحب المجرد من الأغراض الدنيوية، ومن دلائل حب المرء لأخيه في الله أن يعفو ويصفح عن أخطاء صديقه وهفواته. ومن هذه الخصال التي يشعر معها المؤمن بحلاوة الإيمان أن يثبت على دين الله وأن يعلم أن فيه صلاحه وفلاحه ونجاته من نار الآخرة، ولو خير بين أن يلقى في نار الدنيا وبين أن يكفر لفضل أن يلقى في النار على أن يكفر بربه عز وجل وذلك لأن حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم عرفا طريقهما إلى قلبه.
__________________
عادل عمر
مسلم معتدل
عن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" (رواه أحمد والترمذي).
هذا الحديث الشريف أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روي أن أحد الأطباء لما قرأ هذا الحديث ، قال : "لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام" وذلك لأن أصل كل داء التخم فمنافع قلة الغذاء كثيرة لا تحصى لصلاح الأبدان وصحتها. أما منافع قلة الغذاء بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإنها تؤدي إلى رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب، وأما كثرة الغذاء فتؤدي إلى عكس ذلك وللصالحين من التابعين وغيرهم أقوال مفيدة نافعة في فوائد التقلل من الطعام ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "ما شبعت منذ أسلمت". وقال محمد بن واسع: "من قل طعامه فهم وأفهم وصفا ورقّ" ، وقال عمرو بن قيس: "إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب. وقال مالك بن دينار: "ما ينبغي للمؤمن أن تكون بطنه أكبر همه وأن تكون شهوته هي الغالبة" . وقال سفيان الثوري: "إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل"، وقال بشر بن الحارث: "ما ينبغي للرجل أن يشبع اليوم من الحلال لأنه إذا شبع من الحلال دعته نفسه إلى الحرام". وعن إبراهيم بن أدهم قال: "من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وأن معصية الله بعيدة من الجائع قريبة من الشبعان، والشبع يميت القلب ، ومنه يكون الفرح والمرح والضحك.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت"(رواه البخاري)
أدرك الناس: أي بلغ الناس من كلام النبوة الأولى: أي أن هذه الحكمة مأثورة عن الأنبياء جميعاً وأن الأمم تناقلتها أمة بعد أمة. من المعلوم أن الحياء خصلة من خصال الإيمان تحث المرء على التخلق بالأخلاق الحميدة والكف عن فعل أو قول كل قبيح؛ فالحياء- كما قال صلى الله عليه وسلم – خير كله، وكان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها. والمرء الذي يتحلى بالحياء ويتصف به يكون أقرب إلى الطاعات وإلى كل فعل يرضي الله عز وجل "فالله أحق أن يستحيا منه" كما قال صلى الله عليه وسلم .؟ ويبعث على الحياء الشعور باطلاع الله عز وجل على الإنسان، ولذلك فإن الإنسان إذا داوم على مراقبة الله عز وجل امتلأ قلبه حياءً منه فلا يتجرأ على المعصية وإذا فعلها دفعة حياؤه من الله إلى المسارعة إلى التوبة وطلب مرضاة الله عز وجل. وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لمن أعدم الحياء "فاصنع ما شئت" من باب الترهيب والردع والمراد: إذا نزعت عنك الحياء ولم تستح من الله عز وجل فافعل ما شئت من المنكرات فإنك معاقب عليها يوم القيامة. والحديث فيه الترهيب من الوقوع في المعاصي وفيه بيان فضل الحياء وأنه يمنع المسلم من اقتراف الذنوب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدُ إلا غلبه ، فسددوا، وقاربوا ، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء من الدُّلجة" (رواه البخاري)
سددوا: أي الزموا التوسط في الأمر قاربوا: أي استمسكوا بما يقربكم من الله الغدوة: هو الوقت الذي بين الفجر وطلوع الشمس الروحة: السير بعد الزوال والمراد العبادة في هذه الفترة والدلجة: هو السير آخر الليل والمراد به قيام الليل يبين لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن أمور الدين كلها يسهل على الناس أداؤها، ففيه من الأحكام الكثيرة ما يتناسب مع كل مسلم حسب حالته، فمثلاً صحيح البدن عليه أن يؤدي الصلوات الخمس بهيئاتها المعلومة، أما المريض فرخص له الشرع في الصلاة قاعداً أو على جنبه أو على ظهره أو بعينيه حسب مقدرته، وكذلك التيمم شرع لمن لم يجد الماء، والصيام في شهر رمضان فرض على الصحيح سليم البدن، ورخص بالإفطار للمسافر والمريض على أن يقضيا صيامهما بعد ذلك، إلى آخر هذه الأحكام التي جعلها الله لنا رحمة ويسراً. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "سمي الدين يسراً مبالغة بالنسبة إلى الأديان قبله لأن الله رفع عن هذه الأمة الإصر الذي كان على من قبلهم، ومن أوضح الأمثلة له أن توبتهم كانت بقتل أنفسهم، وتوبة هذه الأمة بالإقلاع والعزم والندم". ويرشد الحديث إلى التوسط وعدم التشدد أو التفريط فإن الدين متين وقوي وواضح وضوح النهار. ويبين لنا الحديث أيضاً الأوقات التي تستحب فيها العبادة والتقرب إلى الله بالذكر والدعاء وخاصة قيام الله في وقت السحر وهو آخر الليل قبل الفجر
عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السُّخط"(رواه الترمذي وابن ماجه)
البلاء: هو الامتحان من محنة أو نعمة ليعرف به مدى صبر الإنسان يوضح هذا الحديث الشريف منزلة البلاء وأنه كلما كبرت المحنة وصبر صاحبها، زاد ثوابه، فمن رضي: أي صبر على الابتلاء لله عز وجل وفوض أمره إليه وطلب منه العون فله الرضا أي الثواب والأجر على هذا الصبر، ومن رضي الله عنه فقد فاز فوزاً مبيناً. ومن لم يرض ولم يصبر فعليه إثم سخطه وعدم رضاه، أو فليسخط فما يأخذ من سخطه. والحديث فيه عظة لمن ابتلى فجزع، حتى يعلم المبتلى أنه ممن يحبهم المولى عز وجل، فالله إذا أحب قوماً ابتلاهم ألا ترى أن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء الذين هم أقرب الخلق إلى الله عز وجل. والاعتراض على قدر الله عز وجل جهل وظلم للنفس وخسران لرضا رب العالمين، كما أنه ليس من صفات المؤمنين الذين يصبرون عند المحن ويشكرون عند النعم، كما قال صلى الله عليه وسلم "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ".رواه مسلم والبلاء ملازم للمسلم في كل حياته لقول الله عز وجل: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) [البقرة: 155 ] فالبلاء يرفع الدرجات ويحط السيئات حتى يمشي الإنسان على الأرض وما عليه خطيئة كما قال صلى الله عليه وسلم.رواه ابن ماجه والترمذي
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذِيَك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحاً خبيثة" (متفق عليه)
الكير: آلة يستخدمها الحداد للنفخ في النار حتى تظل مشتعلة. يحذيك: يعطيك يعلمنا هذا الحديث الشريف أن مجالسة الصالحين والأخيار فيها خير لمن يجالسهم، وأن مجالسة الطالحين وأهل الفسق والفجور وقرناء السوء لا تنتج إلا الشرور والفساد أو على الأقل ففيها تضييع الوقت، وذهاب الجهد ويضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المثل لكي يقرب لنا هذا المعنى فنفهمه ونعمل بمقتضاه فكما أن بائع المسك لا تجد عنده إلا ريحاً طيبة كذلك الرجل الصالح لا تسمع منه إلا كلاماً طيباً وذكراً وتذكيراً بالله- عز وجل- وربما كان عالماً فتزداد منه علماً ،وإن كان من أهل الزهد عرفت منه أن الدنيا زائلة وأنه لا فلاح لطالب الدنيا، وأن العيش هو عيش الآخرة، وإن كان عابداً سمعت منه ذكراً طيباً أو تلاوة للقرآن يطمئن بها قلبك. وأما الحدّاد فمن جالسه أصيب بنار كيره أو شرره أو دخانه كذلك رجل السوء قد يكون طويل اللسان فتجده طعاناً ولعاناً كثير الاغتياب للآخرين، أو يكون من أصحاب الشهوات، فتجده يكثر الكلام في الشهوات ويتلذذ بذلك، وقد يكون رجلاً منحرفاً نحو الجريمة فتجد قصصه مملوءة بالانحراف والمنحرفين، وقد يكون رجلاً ظالماً فتجده يدافع عن ظلمه كما لو كان عدلاً يعدل به بين الناس. وهكذا فإن رجل السوء لا يعرف من الدنيا غير الوجه الأسود فمن جالسه نال شيئاً من آثامه كالغيبة والطعن في الأنساب والأعراض.
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"إياكم ومحقرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه" (رواه أحمد والطبراني)
محقرات الذنوب: هي صغائر الذنوب التي قد لا يؤبه بها ولا يلتفت إليها ،بطن واد: أي وسطه. يلفت رسول صلى الله عليه وسلم نظرنا في هذا الحديث الشريف- إلى خطورة صغائر الذنوب لمن لا يلتفت إليها ويمحوها بالتوبة والاستغفار والصدقات وغيرها من مكفرات الذنوب، وضرب لها مثلاً من الواقع المشاهد ليجسدها ويظهر مدى خطورتها فمن المعلوم أن العود الواحد لا يكفي لإنضاج الطعام أو الخبز، فالإنضاج يحتاج إلى كثير من الحطب، وهكذا الصغائر تتجمع على صاحبها فتهلكه؛ لذلك فإن من استهان بالصغائر وانغمس فيها ظنّاً منه أنها ليست خطيرة الشأن، فقد أهلك نفسه، لأن هذه الصغائر تتجمع عليه فتعدل الكبائر في مقدار السيئات.وفي ذلك يقول الشاعر: لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لّله وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار" (متفق عليه).
ثلاث من كن فيه: أي ثلاث خصال من اجتمعت فيه حلاوة الإيمان: هي انشراح في الصدر ولذة في القلب. يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف أن للإيمان حلاوة يشعر بها المؤمن بانشراح صدره إذا فعل هذه الخصال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فلكي يشعر بحلاوة الإيمان يحب أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فإن حب الله ورسوله يجب أن يكون فوق حب الأهل والولد والزوجة والمال فهذا إبراهيم الخليل لما رأى رؤيا في المنام أنه يذبح ابنه – ورؤيا الأنبياء الحق- عزم على تنفيذ أمر الله وهم بذبح ابنه وحبيبه ووحيده إسماعيل عليه السلام إيثاراً لحب الله عز وجل عن أي حب آخر. ومن هذه الخصال أيضاً أن يحب المرء لا يحبه إلا لله أي تكون العلاقة بين الرجل وأخيه قائمة على الحب المجرد من الأغراض الدنيوية، ومن دلائل حب المرء لأخيه في الله أن يعفو ويصفح عن أخطاء صديقه وهفواته. ومن هذه الخصال التي يشعر معها المؤمن بحلاوة الإيمان أن يثبت على دين الله وأن يعلم أن فيه صلاحه وفلاحه ونجاته من نار الآخرة، ولو خير بين أن يلقى في نار الدنيا وبين أن يكفر لفضل أن يلقى في النار على أن يكفر بربه عز وجل وذلك لأن حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم عرفا طريقهما إلى قلبه.
__________________