له هذا الحجر، وسوف يكافئك عليه مكافأة سخية. إنها ياقوتة ثمينة ستزدان بها مجموعة السلطان القيمة.
دهش "نور الدين" لهذا الكلام وأسرع الخطى نحو قصر السلطان العظيم، وطلب إلى الحاجب مقابلة السلطان لأمر مهم.
سمح السلطان لنور الدين بمقابلته، فأدخل قاعة العرش، حيث شاهد السلطان يجلس في هيبة ووقار وحوله الأمراء وكبار رجال الدولة.
تقدم " نور الدين " من السلطان مبهور الأنفاس وأظهر الياقوتة الحمراء وقال في أدب: قدمت يا سيدي من بلاد بعيدة لأقدم لكم هذا الحجر الكريم النادر لعلمي بشغفكم باقتناء الأحجار الكريمة.
أخذ السلطان الياقوتة وقلّبها بين يديه مبهوراً من كبرها وجمالها، ثم أمر بضمها فوراً إلى مجموعته النادرة، وكافأ "نور الدين" بسخاء وكرم.
مضت الأيام.. وأحب السلطان أن يمتع بصره بتأمل الياقوتة الجديدة، فأمسك بها وأخذ يقلّبها بين يديه.. وفجأة امتلأت القاعة بدخان ملون كثيف، ثم انقشع الدخان عن شاب وسيم الطلعة، فاخر الثياب، فذهل السلطان، ولكنه سرعان ما استجمع شجاعته وهدوءه وقال للشاب: من أنت؟ وماذا أتى بك إلى هنا؟
فأجاب الشاب بصوت هادئ: أنا يا سيدي أمير الياقوت.. وإن لوجودي هنا قصة لا أستطيع البوح بها.. ولكني أعرض عليك خدماتي، فمرني بما تشاء وعلي الطاعة.
أطرق السلطان برأسه إلى الأرض مفكراً، ثم تقدم نحو الشاب، وقال له: إن الله أرسلك إلينا في الوقت المناسب. ففي مثل هذا اليوم من مطلع كل شهر يفد علينا تنين مخيف، يهددنا ويهدد رجالنا ونساءنا وأطفالنا، ولا يكف عنا شره حتى نقدم له شاباً من خيرة شباب بلدنا ليلتهمه ويسد به جوعه، ثم ينصرف من حيث أتى ليعود في الشهر التالي فنقدم له شابا آخر، حتى بتنا ونحن من شره في بلاء عظيم. ثم تابع السلطان كلامه: فهل باستطاعتك أيها الشاب النبيل أن تخلصنا من شر هذا التنين.
فأجاب الشاب في ثقة وحزم: نعم يا مولاي. أنا واثق من قدرتي على تخليصكم من شر هذا التنين، على شرط أن تأتيني بسيف بتار وترشدني إلى مكانه.
فأمر السلطان بتلبية طلبه فورا.
في اليوم المحدد الذي اعتاد فيه التنين الحضور لالتهام فريسته، كمن أمير الياقوت في مكان خفي، وما هي إلا لحظات حتى اهتزت الأرض وسُمعت ضوضاء شديدة ارتجت لها أرجاء المكان، ثم ظهر التنين المخيف، والشرر يتطاير من عينيه وينبعث اللهب من بين أنيابه الحادة. ولكن ذلك لم يرهب أمير الياقوت الذي يتمتع بقوة سحرية خارقة، بل تقدم بخطوات ثابتة نحو التنين. ولما أصبح على قيد خطوات منه رفع سيفه وضربه به ضربة شديدة فصلت رأسه عن جسده الرهيب.
أسرع أمير الياقوت إلى السلطان ليزف إليه بشرى القضاء على التنين المخيف. سر السلطان من ذلك وعانق الشاب وراح يقبّله بتأثر وفرح وإعجاب، وقال له وهو في غمرة الفرح: لن أسألك أيها الشاب عن سر مجيئك إلينا، ولكني كنت قد قطعت عهدا على نفسي أن أزوج ابنتي " نور الحياة " لمن يخلصني من شر هذا التنين، وها أنا اليوم قد حققت لي هذا الأمنية، لذلك فإن ابنتي ستصبح منذ هذه اللحظة زوجة لك إن رغبت في ذلك.
رحب أمير الياقوت بالزواج من " نور الحياة " فسر الملك بذلك سرورا عظيما وأمر بأن تقام الزينة في جميع أنحاء المملكة، وأن تعم الأفراح جميع الناس، فقد صار أمير الياقوت زوجا لابنة الملك.
سكن الأمير وزوجه نور الحياة قصرا جميلا، وعاشا في سعادة وهناءة. ولكن سحابة من الكآبة كانت تخيم فوق هذا البيت السعيد، وتنغص على الأميرة حياتها. كانت تعلم أن زوجها أمير الياقوت يحتفظ في قرارة نفسه بسر خفي يأبى أن يبوح به لأحد، وكثيرا ما سألته أن يكشف الستار عن هذا السر ولكنه كان في كل مرة يحذرها من إثارة هذا الموضوع أمامه مرة أخرى.
في ذات يوم، كان العروسان: أمير الياقوت ونور الحياة، يتنزهان على شاطئ البحيرة حول القصر. أصرت نور الحياة على أن تعرف سر زوجها الخفي، وألحت عليه. وما إن بدأ بالكلام حتى ثارت موجة عاتية من عرض البحيرة وتقدمت نحو العروسين واختطفت أمير الياقوت. ورأت نور الحياة زوجها وقد خطفته هذه الموجة وابتلعته في غمضة عين.
دبّ الخوف في قلب الأميرة وأسرعت عائدة إلى القصر في ذهول وهي تبكي زوجها الذي ابتلعته المياه، وقصت على والديها ما حدث لزوجها. وسرعان ما انتشر الخبر في أرجاء القصر، فحزن الجميع لحزن الأميرة وأخذ السلطان يواسيها محاولا أن يخفف عنها مصابها الأليم، ولكن الأميرة استسلمت لحزنها، واتخذت من غرفتها ملجأ تبكي فيه زوجها الحبيب الذي لم تستطع مرور الأيام أن تمحو ذكراه من خاطرها.
وفي إحدى الليالي، وكان الهم قد أخذ بها كل مأخذ، خرجت من القصر في ضوء القمر، وسارت على محاذاة البحيرة في المكان الذي فقدت فيه زوجها. ولما نال منها التعب، جلست تحت جذع شجرة تبكي ذكرى زوجها حتى مضى من الليل نصفه، وهي ذاهلة عما حولها.
فجأة سمعت أصواتا غريبة تنبعث من وسط البحيرة، ثم انجلت الأصوات عن مشهد غريب أذهلها وكاد يفقدها عقلها. رأت جماعة من الجنيات الصغيرات يفرشن الأرض حول البحيرة، بالحشائش الخضراء والأزهار الملونة، ثم انشقت المياه عن مركب كبير يتقدمه شيخ عجوز يمسك بيده شابا تتدلى على جيبه ياقوتة حمراء كبيرة.. ثم خرجت من بين الأمواج راقصة حسناء تحمل بيدها دفا تضرب عليه وترقص على نغماته مما جعل أمير الياقوت يعجب بها ويلاحقها بعينيه.
عجبت نور الحياة لهذا المشهد الغريب، وتملكتها الغيرة فاندفعت بلا وعي نحو الراقصة وانتزعت الدف من يدها وراحت تضرب عليه وترقص على نغماته رقصا أثار إعجاب الأمير والشيخ العجوز ودهشتهما.
تقدم الشيخ العجوز من نور الحياة وخاطبها قائلا: أيتها الأميرة نور الحياة، إنني أعرف قصتك مع ولدي أمير الياقوت، ولكنك أنت المسؤولة عما حدث لك وله، لأنه ممنوع عليه أن يذيع سره. ولكني بعد أن رأيت رقصتك الجميلة فإني على استعداد لأن ألبي لك أي رغبة تريدين.
فأجابته الأميرة في توسل: أريد أن تعيد لي زوجي الحبيب.
فقال الشيخ العجوز بصوت ملؤه العطف والحنان: اسمعي يا بنيتي، هل تعدينني بأن تكوني زوجة مطيعة لا تتدخل بشؤون غيرها ولا تسأل زوجها عن سر قصته؟
فقالت نور الحياة على الفور: "أعدك يا سيدي بأن أكون كما رغبت".
وما هي إلا لحظة حتى اختفى الموكب وبقي أمير الياقوت إلى جانب الأميرة نور الحياة.
وهكذا عاشا حياة جديدة كلها سعادة واطمئنان.
__________________
دهش "نور الدين" لهذا الكلام وأسرع الخطى نحو قصر السلطان العظيم، وطلب إلى الحاجب مقابلة السلطان لأمر مهم.
سمح السلطان لنور الدين بمقابلته، فأدخل قاعة العرش، حيث شاهد السلطان يجلس في هيبة ووقار وحوله الأمراء وكبار رجال الدولة.
تقدم " نور الدين " من السلطان مبهور الأنفاس وأظهر الياقوتة الحمراء وقال في أدب: قدمت يا سيدي من بلاد بعيدة لأقدم لكم هذا الحجر الكريم النادر لعلمي بشغفكم باقتناء الأحجار الكريمة.
أخذ السلطان الياقوتة وقلّبها بين يديه مبهوراً من كبرها وجمالها، ثم أمر بضمها فوراً إلى مجموعته النادرة، وكافأ "نور الدين" بسخاء وكرم.
مضت الأيام.. وأحب السلطان أن يمتع بصره بتأمل الياقوتة الجديدة، فأمسك بها وأخذ يقلّبها بين يديه.. وفجأة امتلأت القاعة بدخان ملون كثيف، ثم انقشع الدخان عن شاب وسيم الطلعة، فاخر الثياب، فذهل السلطان، ولكنه سرعان ما استجمع شجاعته وهدوءه وقال للشاب: من أنت؟ وماذا أتى بك إلى هنا؟
فأجاب الشاب بصوت هادئ: أنا يا سيدي أمير الياقوت.. وإن لوجودي هنا قصة لا أستطيع البوح بها.. ولكني أعرض عليك خدماتي، فمرني بما تشاء وعلي الطاعة.
أطرق السلطان برأسه إلى الأرض مفكراً، ثم تقدم نحو الشاب، وقال له: إن الله أرسلك إلينا في الوقت المناسب. ففي مثل هذا اليوم من مطلع كل شهر يفد علينا تنين مخيف، يهددنا ويهدد رجالنا ونساءنا وأطفالنا، ولا يكف عنا شره حتى نقدم له شاباً من خيرة شباب بلدنا ليلتهمه ويسد به جوعه، ثم ينصرف من حيث أتى ليعود في الشهر التالي فنقدم له شابا آخر، حتى بتنا ونحن من شره في بلاء عظيم. ثم تابع السلطان كلامه: فهل باستطاعتك أيها الشاب النبيل أن تخلصنا من شر هذا التنين.
فأجاب الشاب في ثقة وحزم: نعم يا مولاي. أنا واثق من قدرتي على تخليصكم من شر هذا التنين، على شرط أن تأتيني بسيف بتار وترشدني إلى مكانه.
فأمر السلطان بتلبية طلبه فورا.
في اليوم المحدد الذي اعتاد فيه التنين الحضور لالتهام فريسته، كمن أمير الياقوت في مكان خفي، وما هي إلا لحظات حتى اهتزت الأرض وسُمعت ضوضاء شديدة ارتجت لها أرجاء المكان، ثم ظهر التنين المخيف، والشرر يتطاير من عينيه وينبعث اللهب من بين أنيابه الحادة. ولكن ذلك لم يرهب أمير الياقوت الذي يتمتع بقوة سحرية خارقة، بل تقدم بخطوات ثابتة نحو التنين. ولما أصبح على قيد خطوات منه رفع سيفه وضربه به ضربة شديدة فصلت رأسه عن جسده الرهيب.
أسرع أمير الياقوت إلى السلطان ليزف إليه بشرى القضاء على التنين المخيف. سر السلطان من ذلك وعانق الشاب وراح يقبّله بتأثر وفرح وإعجاب، وقال له وهو في غمرة الفرح: لن أسألك أيها الشاب عن سر مجيئك إلينا، ولكني كنت قد قطعت عهدا على نفسي أن أزوج ابنتي " نور الحياة " لمن يخلصني من شر هذا التنين، وها أنا اليوم قد حققت لي هذا الأمنية، لذلك فإن ابنتي ستصبح منذ هذه اللحظة زوجة لك إن رغبت في ذلك.
رحب أمير الياقوت بالزواج من " نور الحياة " فسر الملك بذلك سرورا عظيما وأمر بأن تقام الزينة في جميع أنحاء المملكة، وأن تعم الأفراح جميع الناس، فقد صار أمير الياقوت زوجا لابنة الملك.
سكن الأمير وزوجه نور الحياة قصرا جميلا، وعاشا في سعادة وهناءة. ولكن سحابة من الكآبة كانت تخيم فوق هذا البيت السعيد، وتنغص على الأميرة حياتها. كانت تعلم أن زوجها أمير الياقوت يحتفظ في قرارة نفسه بسر خفي يأبى أن يبوح به لأحد، وكثيرا ما سألته أن يكشف الستار عن هذا السر ولكنه كان في كل مرة يحذرها من إثارة هذا الموضوع أمامه مرة أخرى.
في ذات يوم، كان العروسان: أمير الياقوت ونور الحياة، يتنزهان على شاطئ البحيرة حول القصر. أصرت نور الحياة على أن تعرف سر زوجها الخفي، وألحت عليه. وما إن بدأ بالكلام حتى ثارت موجة عاتية من عرض البحيرة وتقدمت نحو العروسين واختطفت أمير الياقوت. ورأت نور الحياة زوجها وقد خطفته هذه الموجة وابتلعته في غمضة عين.
دبّ الخوف في قلب الأميرة وأسرعت عائدة إلى القصر في ذهول وهي تبكي زوجها الذي ابتلعته المياه، وقصت على والديها ما حدث لزوجها. وسرعان ما انتشر الخبر في أرجاء القصر، فحزن الجميع لحزن الأميرة وأخذ السلطان يواسيها محاولا أن يخفف عنها مصابها الأليم، ولكن الأميرة استسلمت لحزنها، واتخذت من غرفتها ملجأ تبكي فيه زوجها الحبيب الذي لم تستطع مرور الأيام أن تمحو ذكراه من خاطرها.
وفي إحدى الليالي، وكان الهم قد أخذ بها كل مأخذ، خرجت من القصر في ضوء القمر، وسارت على محاذاة البحيرة في المكان الذي فقدت فيه زوجها. ولما نال منها التعب، جلست تحت جذع شجرة تبكي ذكرى زوجها حتى مضى من الليل نصفه، وهي ذاهلة عما حولها.
فجأة سمعت أصواتا غريبة تنبعث من وسط البحيرة، ثم انجلت الأصوات عن مشهد غريب أذهلها وكاد يفقدها عقلها. رأت جماعة من الجنيات الصغيرات يفرشن الأرض حول البحيرة، بالحشائش الخضراء والأزهار الملونة، ثم انشقت المياه عن مركب كبير يتقدمه شيخ عجوز يمسك بيده شابا تتدلى على جيبه ياقوتة حمراء كبيرة.. ثم خرجت من بين الأمواج راقصة حسناء تحمل بيدها دفا تضرب عليه وترقص على نغماته مما جعل أمير الياقوت يعجب بها ويلاحقها بعينيه.
عجبت نور الحياة لهذا المشهد الغريب، وتملكتها الغيرة فاندفعت بلا وعي نحو الراقصة وانتزعت الدف من يدها وراحت تضرب عليه وترقص على نغماته رقصا أثار إعجاب الأمير والشيخ العجوز ودهشتهما.
تقدم الشيخ العجوز من نور الحياة وخاطبها قائلا: أيتها الأميرة نور الحياة، إنني أعرف قصتك مع ولدي أمير الياقوت، ولكنك أنت المسؤولة عما حدث لك وله، لأنه ممنوع عليه أن يذيع سره. ولكني بعد أن رأيت رقصتك الجميلة فإني على استعداد لأن ألبي لك أي رغبة تريدين.
فأجابته الأميرة في توسل: أريد أن تعيد لي زوجي الحبيب.
فقال الشيخ العجوز بصوت ملؤه العطف والحنان: اسمعي يا بنيتي، هل تعدينني بأن تكوني زوجة مطيعة لا تتدخل بشؤون غيرها ولا تسأل زوجها عن سر قصته؟
فقالت نور الحياة على الفور: "أعدك يا سيدي بأن أكون كما رغبت".
وما هي إلا لحظة حتى اختفى الموكب وبقي أمير الياقوت إلى جانب الأميرة نور الحياة.
وهكذا عاشا حياة جديدة كلها سعادة واطمئنان.
__________________